الياسمين اليابس
قصة ومضة
بقلم جمال عسكر
مقدمة:
ليست العبرة دائماً بطول الحكاية، بل بما تتركه من صدى في الروح بعد أن ينطفئ الحرف الأخير. هذه الومضة هي محاولة جريئة لاصطياد المعنى الهارب، ذلك الذي يختبئ بخجل بين السطور، حيث الحقائق الكبرى تتجلى غالباً في أضيق المساحات، وحيث المشاعر الأعمق لا تحتاج لأكثر من إيماءة لتعلن عن نفسها.
كان المساء يهبط ببطء حين توقفت عند باب البيت القديم، كأن الهواء نفسه يختبر قدرتي على الرجوع.
المفاتيح في يدي ارتجفت لحظة، لا من البرد، بل من ثِقل السنوات التي لم تُحسَم.
دفعته فصرّ الباب كما لو أنه يعاتبني على الغياب.
في الداخل، بقي الضوء الخافت الذي تركته في آخر ليلة يترنّح فوق الغبار.
كل شيء ساكن إلا رائحة الياسمين اليابس قرب النافذة.
كانت هي من اعتادت وضعه هناك، محاولةً أن تُبقي المكان حيًّا حتى حين نفترق.
اقتربت ولمست الزهر المتيبّس؛ تهشّم تحت أصابعي كذكرى لا تحتمل المزيد.
سألت نفسي لماذا أعود الآن، بعد أن صار الصمت سيّد هذا البيت.
كن الصمت نفسه ردّ عليّ بصدى خافت: "لأنك لم تغادر يومًا".
جلست على الكرسي الخشبي الذي خلّفته خلفها في آخر شجار.
أدركت أن الغياب ليس نهاية، بل اتساع بطيء لظلٍّ يعيش معنا.
وحين خرجت، شعرت أن البيت لم يكن ينتظر اعتذارًا… بل اعترافًا.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق