السراد

في السَرَّاد، للحكاية بقية. تصفح أجمل القصص العربية والروايات المشوقة. منصة أدبية متميزة تجمع بين أصالة اللغة وروعة الخيال. تابع أحدث الإبداعات.

جديد الموقع

Post Top Ad

Your Ad Spot

الاثنين، 27 أكتوبر 2025

الظل خلف النافذة

قصتنا اليوم "الظل خلف النافذة"

مرحبًا بك في ركن القصص المظلمة



هنا، حيث تمتزج  الواقعية بالرعب ، ونكشف عن لحظاتٍ تتسلل فيها الظلال إلى القلوب قبل الجدران.

قصتنا اليوم،  "الظل خلف النافذة" , ليست مجرد حكاية زوجين في بيتٍ هادئ... بل رحلة إلى أعماق الخوف الإنساني حين يتحول الأمان إلى غموض، والليل إلى كابوسٍ حيّ.

اقرأها إن كنت تجرؤ...

القصة

الليلة كانت مختلفة. لم تكن مجرد ليلة مظلمة، بل ليلة توقّف فيها الزمن. الريح لم تُحرّك أوراق الشجر، والضوء الخافت من المصباح الجانبي كان كافيًا لرسم ظلال طويلة على الجدران، كأنها أصابع تنتظر لحظة ضعف لتتسلل.


عمر، الزوج الهادئ ذو العقل المنظم، كان منغمسًا في قراءة رواية قديمة عن طقوس ما قبل الإسلام في شمال أفريقيا. كان يحب هذه القصص، يشعر أنها تُذكّره بجذوره، بجده الذي كان يحكي له عن "الكائنات التي لا تُرى لكنها تسمع". نورا، من ناحيتها، كانت تُنظف مرآة صغيرة من الفضة، ورثتها عن جدتها. كانت تمسحها ببطء، وكأنها تُعيد شحنها بذكرى حب قديم.


فجأة، صوت.


ليس صوتًا عاديًا. كان كأن شيئًا ثقيلًا يُجرّ على الأرض الخشبية، من الطابق السفلي، من حيث لا يجب أن يكون أحد.


عمر رفع عينيه من الكتاب، ونظر إلى نورا.


-عمر (بتوتر): سمعتي الصوت؟!


نورا توقفت، يدها تتجمد فوق المرآة. نظرت إلى الباب، ثم إلى عمر.


- نورا : إيه... كأنه صوت خطوات؟


-عمر  (يحاول التماسك): ممكن يكون الهواء، أو يمكن قطه من الشارع.


لكن كلامه لم يكن مقنعًا، حتى لنفسه. لم تكن هناك نافذة مفتوحة. لم يكن هناك قط.


نورا نظرت إلى المرآة. في لحظة، كأنها رأت شيئًا. لم تكن متأكدة. لمحة. وجه. خلفها. لكن عندما التفتت، لم يكن هناك أحد.


 - نورا  (بصوت مرتعش): لا، عمر، الصوت واضح... كأنه أحد يتحرك في البيت.


صمت. ثقيل. كأن الهواء نفسه توقف عن الحركة.


ثم عاد الصوت. أقرب هذه المرة. كأن شيئًا يزحف على الأرض، ببطء، متعمدًا. كأنه يُريهم أنه هنا.


عمر أغلق الكتاب بقوة، ووضعه على السرير. وقف ببطء، كأنه يخشى أن يُثير من في الأسفل.


-عمر : خلاص، أنا بنزل أشوف.


- نورا  (تمسك بطرف قميصه): لا، استنى! يمكن يكون حرامي... لا تروح لحالك!


-عمر  (يحاول تهدئتها): ما تخافي، البيت مقفول، وما حد يقدر يدخل. الباب الأمامي مقفل، النوافذ كلها مغلقة. ما فيش أحد.


لكن نورا لم تكن مقتنعة. منذ أسبوع، بدأت تسمع أصواتًا خفيفة في منتصف الليل. صوت همس. صوت تمتمة. ظنت في البداية أنها أحلام، لكنها أصبحت حقيقية. ومرة، وجدت باب الغرفة مفتوحًا، رغم أنها أغلقته. لم تخبر عمر. خافت أن يظن أنها تتوهم.


عمر أخذ المصباح اليدوي، وفتح الباب بهدوء. نورا تبعه بعينيها، تمسك بطرف فستانها، كأنها تمسك بآخر خيط من الأمان.


- نورا  (تهمس): لو سمحت، خلينا نطلب الشرطة.


-عمر  (بصوت منخفض): ما في داعي للذعر. أنا رايح أشوف.


نزل عمر السلم بحذر، كل درجة تصدر صوتًا خفيفًا. المصباح يضيء الظلال، فتتحرك على الجدران كأنها حية. نورا تراقبه من الأعلى، تعض على شفتيها حتى تكاد تدميها.


فجأة، صوت انفجار زجاج.


- نورا  (تصرخ): عمر!


-عمر-  (بصوت مرتفع): ابقي فوق!


اتجه عمر نحو مصدر الصوت: المطبخ. الباب مفتوح. لم يكن كذلك قبل قليل. على الأرض، قِطع من كوب زجاجي، وشظايا منتشرة. لكن لا شيء سقط. كأن الكوب انفجر من تلقاء نفسه.


ثم، صوت آخر. همس. من خلف النافذة.


عمر تقدم ببطء. الستائر كانت مغلقة، لكن من خلال الشق، رأى ظلًا. طويل. نحيف. يقف خارج النافذة.


- نورا  (من الأعلى، تهمس): عمر... ارجع، أرجوك!


الهمس تحوّل إلى كلام. لكنه لم يكن بلغة يعرفها. كلمات غريبة، متقطعة، كأنها لغة قديمة. أو لعنة.


عمر اقترب من النافذة. يده على المقبض.


فجأة، يد.


تطرق الزجاج بشدة. أبيض. شاحب. أصابع طويلة، كأنها لا تنتمي إلى إنسان.


-عمر  (بذهول): من هناك؟


صمت. ثم، ببطء، تظهر ملامح وجه خلف الزجاج. وجه شاحب. عينان واسعتان، سوداء تمامًا. لا بياض. لا حدقة. فقط ظلام.


الوجه يبتسم. ابتسامة لا تصل إلى العينين.


-عمر  (بصوت مختنق): نورا... اتصلي بالشرطة فورًا!


لكن نورا لم تتحرك. كانت تنظر إلى المرآة الصغيرة في يدها. في تلك اللحظة، رأت شيئًا مرعبًا.


الوجه في المرآة لم يكن وجهها.


كان وجه المرأة الشاحبة خلف النافذة. تنظر إليها من داخل المرآة.


- نورا  (تبكي): عمر، لا تتحرك!


فجأة، انقطع التيار الكهربائي.


المنزل كله غرق في ظلام دامس.


صمت. ثم، من أعماق المطبخ، صوت ضحكة.


ضحك طويل. مجنون. يتردد في كل زاوية. كأنه يأتي من كل مكان.


ثم، صوت خطوات. تقترب من السلم.


عمر يرفع المصباح، لكنه لا يعمل. يحاول تشغيله. لا شيء.


الخطوات تقترب.


نورا تصرخ، لكن صوتها يختنق في حلقها.


فجأة، يضيء المصباح اليدوي لحظة واحدة.


في تلك اللحظة، يرى عمر الشيء.


ليس شخصًا.


ليس حرامي.


كائن طوله سبعة أقدام، يقف على السلم، ينظر إليه من الأسفل. وجهه نفس الوجه في النافذة. يده ممدودة نحوه.


ثم، انطفأ المصباح.


الضحك عاد.


لكن هذه المرة، كان من داخل الغرفة.


"المرآة والنور"


في الظلام الدامس، بينما كانت الضحكة تملأ المنزل، توقفت نورا عن البكاء.


سكتت تمامًا.


في يدها، المرآة الصغيرة بدأت تصدر ضوءًا خافتًا، أزرق باهت، كأنها تنبعث من داخلها. لم تكن تنظفها منذ أسبوع. لم تكن تجرؤ.


عمر، في الأسفل، كان يحاول التراجع، لكنه شعر بيد باردة تلمس كتفه. التفت. لا شيء.


لكن المصباح اليدوي اشتعل لحظة أخرى.


رأى الكائن. لا يزال على السلم. يصعد ببطء. خطوة. خطوة. لا يُصدر صوتًا الآن.


- عمر  (بصوت مرتجف): من أنت؟ ماذا تريد؟


فجأة، صوت نورا. لكنه لم يكن خائفًا.


كان هادئًا. باردًا. وكأنه ينتمي لشخص آخر.


- نورا  (من الأعلى): لا تسأله ماذا يريد... اسأل نفسك من أنا.


عمر نظر إلى الأعلى. في الظلام، رأى نورا تقف عند حافة الدرج. لكن وقفتها لم تكن كعادتها. ظهرها مستقيم. رأسها مائل قليلًا. وعيناها... تلمعان.


- عمر : نورا؟!


- نورا  (بصوت لا يشبهها): لقد عاد. بعد كل هذه السنين... عاد.


- عمر : إيه اللي بيحصل؟ انتِ مين؟


نورا نزلت الدرج ببطء، لكنها لم تمشِ كالبشر. كل خطوة كانت كأنها تُحسب بدقة. في يدها، المرآة تتوهج أكثر.


- نورا : أنا لست من بدأتُ القصة... أنا من أنهيها.


- عمر : إيه القصة دي؟ إيه العلاقة بينك وبين... هذا الشيء؟


نورا توقفت أمامه. نظرت إلى الكائن على السلم. لم يكمل الصعود. كان ينتظر. كأنه يعرفها.


- نورا : هذا ليس كائنًا، عمر. هذا وصي.


- عمر: وصي على إيه؟!


- نورا  (بهدوء): على المرآة. وعلى من يحملها. على من يرثها.


ثم، كشفت الحقيقة.


نورا لم تكن نورا.


المرأة التي تزوجها قبل خمس سنوات، التي اعتقد أنها نورا، كانت جسدًا. فقط جسدًا. أما الروح... فليست لها.


جدتها، التي ورثت منها المرآة، لم تكن مجرد امرأة عادية. كانت حارسة. من عائلة حافظت على "الباب المغلق" — باب بين العالمين. والمرآة كانت المفتاح.


لكن جدتها فشلت. في ليلة ممطرة، كسرت الطقوس. فدخل "الوصي" إلى عالم البشر، وسُجن في المرآة.


لكن كل سبع وسبعين سنة، يعود الباب إلى فتحه. ويجب أن يُقدّم "فداء" ليُبقي مغلقًا.


نورا الحقيقية ماتت قبل سبع سنوات. في حادث سيارة.


أما هذه... فهي "الحارسة الجديدة". روح دخلت الجسد بعد أن تمسكت بالمرآة في ليلة الاعتدال الخريفي، وقرأت الكلمات التي لم تكن تعرف معناها.


- نورا- : لم أخبرك لأني نسيت. حتى الليلة. حتى سمعت الهمس. حتى رأيته في النافذة. هو ليس غريبًا... هو من أرسلني.


- عمر   (بصوت مكسور): يعني... كل اللي فات... كله كذب؟


- نورا  : لا. الحب كان حقيقيًا. لكن الحقيقة... أكبر من أن تُحتمل.


الكائن على السلم بدأ ينزل. لم يعد يهدد. بل يركع.


- نورا : الفداء يجب أن يُقدّم الليلة. إما أن يُغلق الباب... أو يخرج من المرآة كل من بداخلها.


- عمر  : وإيه الفداء؟


نورا نظرت إليه. دمعة سقطت من عينها. لكنها لم تكن دمعة حزن. كانت دمعة واجب.


- نورا  : الروح التي تحمل المرآة... يجب أن تعود إليها.


- عمر  : يعني... إنتِ هتموتي؟


- نورا : لا. يعني... أنا يجب أن أختفي. وأن تُكسر المرآة. وإلا... سينتقل الوصي إلى جسدك. وسيبدأ من جديد.


الصمت عاد.


ثم، نورا رفعت المرآة.


بدأت تهمس بكلمات قديمة. كلمات لم يسمعها عمر من قبل. الهواء اهتز. الجدران تصدعت قليلًا.


الكائن على السلم تلاشى.


لكن المرآة بدأت تنكسر من الداخل. شرخ صغير في المنتصف.


- نورا   (بهدوء): اعدّ نفسك لحياة بدوني. واعرف أنني أحببتك... حتى في الكذب، كان الحب حقيقيًا.


قبل أن يرد، انفجرت المرآة.


ضوء أزرق اجتاح المنزل.


صرخ عمر.


ثم... سُمع دوي.


الكهرباء عادت.


المنزل صار هادئًا.


نورا... لم تكن هناك.


فقط قطع فضية على الأرض. وورقة صغيرة تحتها، مكتوب عليها بخط يدها:


 "لا تبحث عني. ابحث عن الحقيقة في العيون التي لا ترى."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot