عطر الياسمين
قصص ومضة-عطر الياسمين-السراد الأدبى
كانت الأرصفة قد ابتلّت لتوّها بقطرات مطر خفيفة، تاركةً خلفها رائحة التراب المُبلل التي تختلط ببرودة الفجر. جلست "أم أحمد" على كرسيها الخشبي القديم عند عتبة الباب، ترقب الشارع الذي لم يصحُ بعد. يدها المرتعشة احتضنت كوب الشاي الساخن كأنها تستمد منه دفئاً لا يكفيه المعطف الصوفي البالي.
مرّت فتاة صغيرة، في طريقها إلى المدرسة، حقيبتها الملونة تتمايل خلف ظهرها. لمحَتْ "أم أحمد" فابتسمت، ومدّت يدها بجيب معطفها لتُخرج زهرة ياسمين صغيرة كانت قد قطفتها لتوّها من شجيرة حديقتها.
اقتربت الفتاة، وبعفوية مدهشة، انحنت لتقبّل خد أم أحمد المتجعد، ثم وضعت الزهرة في شعرها. "صباح الخير يا جدة." همست بصوت رقيق.
نظرت أم أحمد إلى الفتاة وهي تبتعد، ثم لمست الزهرة برفق. لم يعد الشاي وحده من يدفئ كفيها، ولا المعطف من يستر جسدها. في تلك اللحظة، امتلكت دفئاً أزلياً، أزهر في قلبها كعبير الياسمين في فجر ممطر.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق